بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

صورة جهنم وتطورها

تشير معظم الأديان إلى جهنم وعذاب النار، وهو عذاب ثمناً لآثام ارتُكبت أو لتعارض تصرفات وأفعال مع ما تطلبه المعتقدات. إلا أن الصورة الأولى لجهنم كانت بلا سبب ديني وإنما لأن نهاية الحياة تكون في جهنم التي يذهب إليها كل البشر، الصالح والطالح، عقب الموت، ومكانها في أعماق الأرض.


وفي الواقع فإن أول ذكر لجهنم كان لدى السومريين كما تدل على ذلك أساطيرهم مثل أسطورة جلجامش وأسطورة نزول إنانا (عشتار) إلى أعماق الأرض. وكلمة جهنم في اللغات اللاتينية مشتقة من معنى "أسفل الأرض"، ويبدو أن الكلمة العربية جهنم مشتقة من جهنام، وهي كلمة أعجمية مستوحاة من العبرية، وادي هنوم، بمعنى "القعر البعيد" بحسب لسان العرب. والسومريون يتحدثون عن العالم السفلي، عالم الموت، الذي تديره آلهة الموت؛ ويتحدثون عن العالم العلوي الذي تديره آلهة الأحياء؛ وبينهما يطفو عالم من هم على قيد الحياة على بحيرة الماء العذب. ولكن النصوص السومرية تعطي معلومات وفيرة عن العالم السفلي دون العلوي، كما جاء في فراق جلجامش لأنكيدو، وكذلك نزول إنانا إلى وديان جهنم (بالجمع وليس بالمفرد). ولهذه الأخيرة صيغتان متباينتان في بعض التفاصيل: النسخة السومرية والنسخة الأكادية.

وفي النسختين وصف لوديان جهنم. فمدخل عالم الأموات يبدأ من قصر الجنزر يعقب ذلك مسير طويل باتجاه الغرب عبر هضبة كبيرة وجبال عديدة على طريق الذهاب بلا إياب. وبعد القصر مباشرة هناك سبعة أسوار فيها أبواب متتالية تقود إلى قلب وديان جهنم. وهناك يتحول الميت إلى شبح تحدد صورته الذكريات التي تركها الميت لدى الأحياء. ويظهر على شكل ظلال أو انكشاف عابر، ويمكن استدعاؤه لمسائلته من قبل الأحياء، وإن أصبح منبوذاً فيرسل إلى أسفل السافلين.

لا شيء يقول في الأسطورة السومرية عن محاكمة تجرى للميت عند دخوله أرض الأموات عما قام به من أفعال، فلكل الأموات المصير نفسه بصرف النظر عن سلوكهم في حياتهم. والحكماء السبعة الذين يديرون شؤون الأرض السفلى لا يقومون إلا بالسهر على احترام قواعد هذه الأرض، مثل أن يحل محل من يريد العودة إلى الحياة الدنيا شخص آخر بديل من الأحياء من أهله المقربين، كما فعلت إنانا عندما رغبت بالعودة إلى الحياة الأرضية فأرسلت بدلاً عنها زوجها تموز إلى عالم الأموات. وفي كل الأحوال فإن الأرض السفلى ليست أرض فرح، تنعدم فيها المتعة والحنان، يتغذى الميت فيها بالتراب ويشرب المياه العكرة ويقوم في الظلمة بالأفعال التي كان يقوم بها على الأرض على نحو باهت، ولكن كل شيء يتوقف على طقوس الأحياء للموت، فحزن الأحياء يساعد على تخفيف مصير الميت، وتذكر أسماء الموتى المتكرر له الأثر نفسه، كما أن سكب المياه على الأرض وتقديم وجبة طعام يدعى إليها أهل الميت وإحياء ذكراه تساهم في تخفيف وطأة إقامة الميت في الأرض السفلى.

أما لدى الإغريق فوديان جهنم هي مملكة الموتى التي تقع في أسفل الأرض ولها إله يدير شؤونها تساعده زوجته في ذلك. أما في الديانة اليهودية فتعتبر مكاناً تؤبد فيه شبحية الحياة الأرضية وتنتهي فيها مشاكل الحياة الأرضية. وهي مكان يخبو فيه النشاط. والصورة اليهودية عن جهنم تطورت نتيجة لتأثيرات مختلفة فأصبحت جهنم مكان حيث للأموات أن يكونوا واعين تارة، أو حيث للصالحين أن ينتظروا البعث تارة ثانية أو هي نار اليوم الآخر تارة ثالثة. وصورة العالم الآخر في اليهودية اليوم تقول بأن الجنة والنار هما على الأرض، نسعد أو نشقى في حياتنا على هذه الأرض فقط. أما في المسيحية فالصورة مختلفة في أنها لا تتحدث عن مكان جهنم، إن كان في الأرض أو في السماء أو في مكان آخر. وهي تتحدث عن مكان عقاب لإبليس ومن كان على شاكلته وإن كانت تتحدث عن النزول إلى جهنم. وكذلك تتحدث عن المطهر حيث يمكن التطهر من آثام الدنيا، وهذا المطهر يقود دائماً إلى السماء. أما عن فترة المكوث في جهنم فقد كانت موضع سجال بين القائمين على الديانة المسيحية. فقال البعض بأنها فترة للتطهر من الذنوب متناسبة مع عدد الآثام وشدتها، وأن الكل سيصلون إلى تلك الحالة، أي أن الإقامة في جهنم ليست مؤبدة. ولكنها أضحت مؤبدة لدى الكاثوليك. أما الكنيسة الأورثودكسية فتشير إلى التناقض بين فكرة الله المحب والعقاب الأبدي. فالله رحيم يقدم مساعدته للجميع وعلى المخطئ أن يقترب من نور الله. والنار لديهم هي أرض الشياطين ومن في حكمهم. أما في الإسلام فجهنم مقر للكفار والشياطين، وصورتها مشبعة بالعذاب، وفيها سبع طبقات تشتد مع درجة آثام الميت يدخلها يوم البعث. وطبقاتها السبع هي: النار ثم الجمر ثم سقر ثم الحطمة ثم الجحيم ثم السعير ثم الهاوية. أما لدى البوذية فجهنم هي إحدى العوالم الستة، وهي مؤلفة من ست عشرة جهنم، ثمان منها حامية وثمان أخرى متجمدة. وهي مقر لمن قام بأعمال هدامة بتأثير الغضب. لها إله ثانوي يسهر على رعايتها. ولكن أحد كبار الرهبان البوذيين قال بأن النار غير موجودة في عالم آخر وإنما هي موجودة في أرواحنا.

أما في الهندوسية فإن الجنة وجهنم ليستا إلا أماكن مؤقتة حيث سنكافأ أو نعاقب على أعمالنا التي غادرنا الحياة قبل أن تظهر نتائجها. فالجنة الدائمة تشتمل على تناقض وكذلك الأمر بالنسبة لجهنم. ويعود ذلك إلى اعتبارين. الأول، لأن لهذه الإقامة بداية، إذن فلها بالضرورة نهاية. الثاني، هو أن الأفعال التي للإنسان قدرة عليها هي أفعال محدودة وليس لها الطابع اللانهائي أو اللامحدود ومن ثم فإن عواقبها هي كذلك محدودة. إذن لا يمكن للعقاب والثواب إلا أن يكونا محدودين في الزمن والشدة.

صور مختلفة عن جهنم، بين الأديان السماوية، وبين اللاسماوية... وهي في كل الأحوال صورة من صور ما بعد الحياة التي لا يمكن اختبارها بالتجربة الحسية أو الذهنية ... ولكننا لا نرفضها في تصوراتنا عن الحياة المستمرة، فجهنم على الأقل مكان محاسبة من كان سيئاً في حياته معنا، مكان ينتقم فيه لنا ويضمن عدالة الحياة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق